المقدمة:
لقد حرم الله سبحانه وتعالى النساء من النسب لحكمة شرعية عظيمة؛ لأنه لو أبيح الزواج من المحارم لتطلعات النفوس إليهن وكان فيهن مطمع، والنفوس بطبعها مجبولة على الغيرة، يغار الرجل من ابنته على أمه وأخته، وذلك يدعو إلى النزاع والخصام وتفكك الأسرة وحدوث القتل الذي يدمر المجتمع.
لذا فقد اقتضت حكمة الله تحريم هؤلاء حتى تكون العلاقة بهن علاقة رعاية وعطف واحترام وتوقير، فلا تتعرض لما قد يجد في الحياة الزوجية من خلافات تؤدي إلى الطلاق والانفصال – مع رواسب هذا الانفصال- في تخدش المشاعر التي يراد بها الدوام.
فالطفل الرضيع يتغذى بلبن المرضعة فيكون له مع كل مصة من ثديها عاطفة يستلها من قلبها، وبذا يصير بالرضاعة بعض بدنها وجزءًا منها؛ لأنه تكون من لبنها حيث نبت لحمه ونشز عظامه وصارت بهذا كأمه التي ولدته وصار أولادها إخوة له؛ لأن لأبدانهم أصلاً واحدًا هو ذلك اللبن.
والشريعة الإسلامية قد انفردت من بين الشرائع السماوية القائمة الآن بجعل الرضاع سببًا من أسباب التحريم، وإن لذلك أسبابًا قوية موجبة لهذا التحريم منها:
1- إن المرضع التي ترضع الولد إنما تغذيه بجزء من جسمها، فتدخل أجزاؤها في تكوينه ويكون جزءًا منها، وإن الحس والطب يثبتان ذلك، فإن لبنها در من دمها ينبت لحم الطفل وينشز عظمه، وإن كان جسمها ملوثًا بمرض مستكن فيه سرت عدواه إلى الطفل، وإن كانت نقية الجسم سليمة قوية استفاد الطفل منها قوة ونماء، وإذا كان الطفل جزءًا منها فهي كالأم النسبية بيد أن هذا غذته بدمها في بطنها، وتلك غذته بلبنها بعد وضعه، فإن كانت الأم النسبية محرمة على التأبيد وبعض من يتصل بها محرمات عليه فكذلك الأم الرضاعية فهذا أمر بديهي مشتق من الحس وكلام أهل الخبرة.
2- إن المرضع تندمج في الأسرة التي ترضع أحد أولادها فتكون من آحادها، كما يكون الطفل في بيت مرضعته مندمجًا في أسرتها، فيكون ذلك التشابك الذي يجعل أسرته أسرتها وأسرتها أسرته أيضًا، وإذا كانت العلاقة التي تكون من هذا النوع في النسب موجبة التحريم في كثير من الأحوال، فينبغي أن تكون كذلك الرضاعة في هذه الأحوال.
3- وهناك فائدة التحريم بالرضاعة قد ذكرها بعض كُتاب الفرنجة المسيحيين الذين عجبوا بنظام الإسلام في الرضاع، وهي التشجيع على الرضاعة إحياء للأطفال الذين ليست لهم أمهات يرضى عنهم، فإن المرضع إذا علمت أنها في الشريعة أم ولها ما للأم من إجلال وتقديس؛ ولذا يحرم على الولد كما يحرم عليه أمه، فإنها تقدم على الإرضاع من غير غضاضة، وقد يكثر بذلك النسل.
وقد قال ذلك كاتب أوربي: «قد استوحى فقهاء المسلمين تلك الحقيقة – وهي تقرير قرابة بين الولد والمرضع - مما جاء على لسان نبيهم: «تناكحوا تناسلوا تكاثروا» في احتاطوا كل الاحتياط لذلك الغرض الأسمى الذي هو الحياة الإنسانية، وهذا هو السر في أن الإسلام أعطى المرضع هذه المكانة؛ لأنها جاءت بلبنها ساهمت في تنفيذ الوصية الربانية ... وهذا هو السر أيضًا في أن الإسلام رفع شأن الحامل ... ولقد جعل الإسلام للمرضع تلك المكانة ولو كانت غير مسلمة – يهودية أو نصرانية - وإنها مكانة سامية تجعله في الأسرة في المكان التالي للأم».
مما بيناه يتضح الرضاع كالنسب في تحريم النكاح، فإن الأم من الرضاع قد تغذى بلبنها وصار جزءًا من أجزائها كالأم التي ولدته تمامًا بتمام، كما أن الأخت من الرضاع قد جمعت بينها وبين أخيها منه الإخوة حيث اجتمعا على ثدي واحد وتغذى من معين واحد؛ لذا فإن المعاشرة الزوجية بينهما أمر لا يقبله الطبع السليم، وما قيل في الأم والأخت يقال في بقية المحارم؛ لأن صلة المودة والرحمة يفسدها النكاح الذي كثيرًا ما يعتريه الخلاف والشجار، وقد يكون الانفصال والخصام.
اقرأ ايضاًهل البيتكوين (Bitcoin) حرام أم حلال ؟
الفساد المعنوي والمادي في الحياة
احاديث قدسية توضح حب الله لعباده
رسالة ورؤية موقع بوابات كوم
موقع بوابات كوم يحتوى على كثير من المقالات والدروس في عدة مجالات كالعمل الحر والربح من الانترنت والمجالات التعليمية والصحية والرياضية وكذلك مجال شروحات البرمجة والكثير من التصنيفات المختلفة والتي تُغني من يريد انشاء موقع نموذجى رائد عن طرح الاستفسارات والاسئلة التي تتعلق بعالم الإنترنت.
كما يتميز موقع بوابات كوم أن له فريقً مهمته هي مراجعة كل المقالات المطروحة عليه ولا يتم نشر أي مقال في حالة كان مكررًا أو عديم الفائدة؛ لذلك أي مقال سوف تجده على موقع بوابات كوم سيقدم لك معلومات هامة كتبها مطورون بارعون في أعمالهم، وراجعها ورائهم فريقًا مميزا متخصصا.